شريط البيبي سي

السبت، 9 أبريل 2011

الغباوة اختيار

  بقلم   عبدالمنعم الصاوى    ٨/ ٤/ ٢٠١١  المصري اليوم
أكره الغباوة لأنى أعتبرها سلوكًا سيئًا، فهناك - فى رأيى - فارق كبير بين الغباوة والتشوهات العقلية التى تُعَدّ من أقسى الاختبارات والمصائب التى يتعرض لها أهل المُصاب قبل المُصاب نفسه.
إذا اتفقنا على هذا التمييز الأولىّ بين المرض العقلى والغباوة، فإن فرصتنا تصبح غير محدودة فى الارتقاء بقدراتنا الابتكارية والإبداعية التى تنعكس بشكل مباشر على قدراتنا الإنتاجية، وتضعنا على قائمة الدول المتقدمة فى جميع المجالات.
الذكاء المنشود شأنه شأن كل سلوك: يُزرع، ويُنمى، ويُرعى فى الصغر، ويزدهر ويترسخ بالممارسة فى كل مراحل العمر. نخطئ كثيرًا حينما نخلط بين الذكاء والمواهب، فالأول أمر قريب المنال متاح للجميع، بينما يختص الله بعض الناس بمواهب نادرة، يقوم بعضها على تميُّز الحواس كالسمع والإبصار، ويقوم أغلبها على خيال شديد الخصوبة.. هذه المواهب لا تظهر هى الأخرى أو تنمو إلا فى مناخ مناسب يُحفّز صاحبها على ممارستها وصقلها بكل ما يصل إليه من علوم ومعارف وقيم.
مقدمة لم أجد بُداًّ منها لأصل إلى ما أسعى دائمًا لترويجه، ألا وهو حقيقة أن السلوك والأخلاق هما أساس كل نهضة إنسانية على مستوى الفرد أو الأمة، وأعود إلى ما كنت قد كتبته فى هذا المكان فى نوفمبر الماضى تحت عنوان «جدو» لأعيد منه الجزء التالى مرة أخرى:
(كل هذا يخطر ببالى وأنا أستمع إلى زعماء ومفكرى الأمة وهم يتحدثون عن الدين: «جدو». يقولون: الدين أجلّ وأعظم وأكبر من أن نُقْحِمَهُ فى شؤون حياتنا. الدين يجب ألا يخرج عن دور العبادة.
وأتساءل: أنتنازل عن حكمة سيدنا إبراهيم، وطاعة سيدنا نوح، وصبر سيدنا أيوب، وشجاعة سيدنا موسى فى مواجهة فرعون، ومعجزات وتضحيات سيدنا عيسى، وأمانة وصدق وطُهر خاتم المرسلين سيدنا محمد، صلى الله وسلم عليه وعلى كل الرسل والأنبياء؟
هل أصبح الدين - أعظم نعم المولى على الإنسان - عبئًا على الحياة العصرية ومعطلاً للتقدم؟ إنها سذاجة مُطْلَقَة بُنِيَتْ على فهم خاطئ للدين، الذى يعظّم دور العلم والتجديد والتطوير، ويرفض كل أشكال التحجر والجمود. أوافق، بل أؤيد كل دعوات حرية العقيدة، ولكنى أنحاز للحكمة التى لا تفرط فى أعظم مصادر المعرفة.. الحكمة المتمثلة فى إدراك أن الخالق هو أعلم العالمين بما ينفع مخلوقاته، وأن رحمته تجلت فيما أرسله من رسالات وَمَنْ بَعَثَهُمْ لتقديم الشرح العملى لها».
أعود إلى الغباوة التى يفضل الكثيرون اختيارها، عن قصد أو غير قصد لا يهم، الغباوة التى أعنيها هى الغفلة عن رؤية الحقائق، والسعى إلى العودة إلى نقطة الصفر الإنسانية.
الغباوة.. اختيار! وإلا فبم تفسرون إصرار الكثيرين على التنكر لله - سبحانه وتعالى - ولما أنعم به علينا من رسالات متعاقبة؟
علّمنا سيدنا آدم - عليه السلام - مبادئ الخير والشر منذ بدء الخليقة، ومنذ ذلك الحين لم تنقطع أبدًا نعمة الهداية على أيدى الرسل والأنبياء الطاهرين المجردين عن أى هوى، استقرت هذه المبادئ والأفكار فى وجدان الإنسان، فعرف الحق من الباطل، أدرك معانى العدالة والمساواة، وَعَى قيمة الشرف والفضيلة، وغير ذلك من أخلاق اكتملت على يدى سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم.
نعمة الدين هى أكبر نعم الله على البشر جميعًا، فما الدين إلا ذاك المنهج الذى هدانا إليه خالقنا الأعلم بأحوالنا.. تثور حول الدين خلافات عديدة هذه الأيام، والدين الذى أعنيه هو الإسلام والمسيحية واليهودية، وكل ما وصل إلينا من رب العالمين. يخشاه البعض، ويتصارخ آخرون دفاعًا عنه. المسألة أبسط من ذلك بكثير، لو تركنا الغباوة والحماقة جانبًا، فالدين نفسه غير تصادمىّ، وهو يقوم على النصح والدعوة الحسنة. الدين نعمة وهبة من الخالق، يختارها الحكماء الذين يتمتعون بالذكاء، وحجتهم أن الخالق هو الأعلم بما ينفع عبيده، أما الغباوة، فهى أيضًا اختيار مطروح، وعلى الأذكياء ألا يصادروا حق الغباوة، فهو حق يكفله الدين كما يكفل كل الحقوق الأخرى، وأهمها حق الاختيار.
أرفض ترك الدين، كما أرفض احتكاره.
التوقيع: مسلمسيحى.

رآي المدون:

أيها المصريون مطلوب أعمال الفكر
فعلا لم يكن الدين أبداً تصادمي
أؤيدك يا أستاذ عبد المنعم

التاريخ يسجل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق