شريط البيبي سي

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

«الفرعون» يتحدث..! «١»


«الفرعون» يتحدث..! «١»

  بقلم   مجدى الجلاد    ١٧/ ٨/ ٢٠١١

آآآآه.. صدرى يضيق.. أريد هواءً نقياً.. ما هذا السقف؟! إنه يحجب عنى الأفق.. أريد أن أغادر هذا القفص.. أليست هذه «أكاديميتى»؟!.. نعم.. ولكننى لمحت اللافتة وأنا فى طريقى إلى القاعة «أكاديمية.. للأمن».. شالوا اسمى.. لا.. بل شطبوه، دون أن يعلقوا لافتة جديدة.. آآآآه.. أشعر بأن الأعين تمزقنى.. تلك الوجوه أعرف بعضها.. ولكنها تبدلت.. نظرات الرضا والاسترضاء تحولت إلى سهام انتقام وكراهية وتشف.. ماذا فعلت كى يحدث لى كل هذا..؟!!
يقولون إننى كنت ديكتاتوراً.. مستبداً.. ظالماً.. عنيداً.. وفاسداً.. ياااه.. كل ذلك.. يبدو أنهم فقدوا عقولهم.. هل نسوا ما قدمت لمصر.. هم الذين خانوا العهد.. انقلبوا علىّ.. والآن يريدون إعدامى.. يبدو أننى سأموت قبل صدور الحكم.. أشعر بأننى أموت ببطء.. ولماذا أعيش وقد زال ملكى، وأصبحت محاكمتى قصة تروى فى العالم كله.. فهل لمثلى أن يهان بعد أن أعزته السلطة؟!
يراودنى إحساس قاتل.. الغصة فى حلقى تكاد تقبض روحى.. يبدو أننى بشر.. إنسان.. أمس فقط دخلت الحمام.. فعلت مثلما يفعل الناس.. هل مات الإله الذى كانت تنحنى تحت قدميه الرؤوس.. أين من كانوا يصلون صوب قبلتى، ويسبغون علىّ عبارات التقديس.. كنت لا أتكلم.. وهل تتكلم الآلهة.. كان حولى من يجيدون قراءة إرادتى وتنفيذ مشيئتى.. أين ذهبوا.. هل وضعوهم فى السجن مثلى.. أى شعب ذاك.. هل سيقوى على الحياة بدونى.. لمن سيقدم فروض الولاء والطاعة.. لمن سيصلى غيرى؟! آآآآه.. هل تدخل الآلهة القفص؟! لا.. لست إلهاً.. أنا إنسان.. بشر.. مثل كل المتحلقين حولى.. لست إلهاً لأننى خائف الآن.. الآلهة لا تخاف.. الآلهة لا تتحول إلى «فرجة» على الشاشات.. الآلهة لا تسقط من عروشها..!
أتذكر الآن لحظة البداية.. كنت إنساناً بسيطاً.. كان لون أرض «كفر مصيلحة» لايزال فى بشرتى.. كنت أدرك أننى أصغر من مقعد الحكم.. منحنى الله نعمة كبيرة.. مصر ليست دولة عادية.. وأنا الرئيس.. كنت صادقاً حين قلت فى خطابى الأول بمجلس الشعب «هيه مدة واحدة.. الكفن ليس له جيوب».. والله كنت صادقاً..
ولكن أشياء كثيرة تغيرت حين دلفت إلى القصر الجمهورى.. رجال القصر والمسؤولون فى كل المواقع يتوضأون قبل الوقوف أمامى.. الأناشيد ومهرجانات المديح تقام تحت قدمى.. أرفع إصبعى فتدنو لى الدنيا.. أومئ برأسى فتطير رؤوس وتنحنى رؤوس وتعلو رؤوس وتهبط رؤوس.. كنت أنهرهم، بعنف.. وكان صوت بداخلى يريد أن يصرخ «لست إلهاً».. ولا حتى «نصف إله».. شعرت فى البداية بأننى إنسان غير عادى.. زعيم ملهم.. كان صعباً أن أخطئ.. ثم بات مستحيلاً.. ثم بدأت أشعر بأننى لا أنطق إلا بالحكمة.. كنت أقول رأياً فتلتهب الأكف تصفيقاً.. كنت أنطق بكلمة واحدة فتتحول إلى نص مقدس..!
سنوات قليلة.. وبدأت ألحظ أننى مختلف عن الجميع.. يبدو أن الأقدار رسمت لى مصيراً مختلفاً.. يبدو أننى «نصف إله» حقاً.. ويبدو أن السماء أرسلتنى فى هذا الوقت تحديداً إلى مصر رسولاً ونبياً.. يقولون لى إن هذا الشعب كان سيموت جوعاً لولا تصريفى للأمور.. ويقولون لى إن الوحوش كانت ستلتهم مصر لولا حكمتى..
ويقولون لى إن بصيرتى ملأت البطون وغرست العلم فى العقول.. تدريجياً نسيت أيامى الأولى.. نسيت كفر مصيلحة.. نسيت الحرب والطائرات.. ومازلت أذكر كلمات أحدهم بعد خطابى الأول «كفن إيه يا ريس.. إنت فى مهمة مقدسة.. البلد كان هيروح فى داهية لولا حكمتك».. قالها.. ثم انحنى مقبلاً يدى وكاد يسجد لتقبيل حذائى، لولا خجلى الريفى.. وحين خرج.. نظرت إلى المرآة، فاكتشفت أن لون أرض «كفر مصيلحة» زال من بشرتى..!
أسمع الآن صوتاً يأتينى من بعيد.. المتهم فلان الفلانى.. آه.. أنا هنا فى القفص.. «موجود».. هكذا رددت على القاضى..!



رأي المدون:

((أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً)) المائدة32
صدق الله العظيم

التريخ يسجل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق