شريط البيبي سي

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

صناعة الفرعون ... وزير الدفاع الذي لا يعينه رئيس الدولة ؟



تحريرا في 24/12/2013  
مشروع الدستور حدث سياسى.. وليس عملًا قانونيًا .
تحدث المستشار / طارق البشري في جريدة الشروق صفحة 15 يوم 18/12/2013 في الجزء الرابع عن الآتي :
ويبقى ما هو أخطر من ذلك كله، فى ترتيب مؤسسات الدولة، فإن القوات المسلحة قد اكتسبت فى هذا المشروع المطروح استقلالا يكاد يكون كاملا عن مؤسسات الدولة الأخرى.
فنحن إن قارنا بين دساتيرنا فى التاريخ المعاصر، وبخاصة الدساتير الثلاثة الأخيرة، وهى دستور 1971 ودستور 2012 والمشروع المطروح حاليا. نلحظ أن دستور 1971 كان يشير إلى القوات المسلحة فى إطار المهام الخاصة بوظيفتها، ولكنه وما سبقه كان يضعها جزءا من الدولة بمؤسساتها المتعددة، جزءا لا ينفصل ولا يستقل عن الهياكل الكلية للدولة. ثم جاء دستور 2012 ليضع القوات المسلحة فى موقف متميز من حيث الاستقلالية التنظيمية والمالية والمؤسسية. ثم جاء المشروع الأخير المطروح ليضعها فى وضع استقلال كلى عن أجهزة الدولة ونظمها وتشكيلاتها المؤسسية، بما لا أعرف له سابقة عندنا.
فبعد ان تنص المادة 200 على الحكم التقليدى المتكرر من أنها ملك للشعب مهمتها حماية أمنه، ومع حظر إنشاء أى تشكيلات عسكرية لأى فرد أو جماعة أو هيئة. بعد هذا الحكم يرد بالمادة 201 ما يوجب أن يكون وزير الدفاع الذى هو القائد العام للقوات المسلحة معينا من ضباط الجيش، ثم يأتى تشكيل مجلس الدفاع الوطنى من ستة أعضاء مدنيين (منهم رئيس الجمهورية) وثمانية أعضاء عسكريين بحكم وظائفهم. وهو الجهة التى تناقش الميزانية ويجب أخذ رأيها فى مشروعات القوانين الخاصة بالجيش. ونحن هنا لا نعترض على حكم محدد، ولكن نحاول ان نبين الصورة العامة لهذه الهيئة فى علاقتها بهيئات الدولة ومؤسساتها. فإن مدى الاستقلالية يتراءى من جماع الاستقلالية التنظيمية فى التعيين فى الوظائف القيادية ومن استقلالها المالى ومن الاستقلال القضائى، ومن ذلك كله مجتمعا.
ويرد نصا المادتين 402، 204، أولهما ينشئ لجانا قضائية خاصة بضباط وجنود القوات المسلحة تختص دون غيرها بالفصل فى كل المنازعات الإدارية الخاصة بهم، وهو نص دستورى مستحدث، وثانيهما يورد حكم القضاء العسكرى كجهة قضائية مستقلة للفصل فى كل الجرائم المتصلة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها، وأفراد المخابرات العامة أثناء أداء الخدمة وبسببها. ثم أخضع المدنيين للقضاء العسكرى فى جرائم الاعتداء المباشر على المنشآت والمعسكرات ومناطق الحدود والمعدات والمركبات والأسلحة والذخائر والوثائق السرية والأموال العامة والمصانع الحربية والتجنيد، والجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها وأفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم، أى يخضع المدنيون للقضاء العسكرى فى كل تعامل لهم مع العسكريين.
ثم يرد فى الأحكام الانتقالية نص المادة 234 «يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسرى أحكام هذه المادة لمدتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور». أى أن يكون تعيين القائد العام الوزير تعيينا ذاتيا لمدتين لرئيس الجمهورية كل منهما أربع سنوات.
وبهذا تتكامل الاستقلالية الانفصالية للهيئة بالتعيين الذاتى للقيادة ذات السيطرة وبالاستقلال المالى وبالانفصال القضائى. والقوات المسلحة من الناحية الدستورية ليست سلطة سياسية قائمة بذاتها مثل السلطة التشريعية أو السلطة القضائية. بل انها تشكل عمود الارتكاز فى الدولة وهى الجوهر الأساسى للسلطة التنفيذية، لما تحتكره دون غيرها من وسائل العنف المشروع. هى تستقل بنص مشروع الدستور عن أجهزة الدولة التنفيذية ورئاسة الجمهورية بوصفها رئاسة للدولة. وذلك لمدة ثمانى سنوات على الأقل وهو مجموع المدتين الرئاسيتين الكاملتين اللتين أوردتهما المادة 234 من المشروع الدستورى. ونقول «على الأقل» لأنه إذا انتهت إحدى المدتين الرئاسيتين الأوليين فى أقل من أربع سنوات بسبب طارئ كوفاة أو استقالة فلن تكون مدة كاملة ولن تحسب ضمن المدتين اللتين أوردتهما المادة المذكورة بقولها «مدتين رئاسيتين كاملتين».
وهذا النص يؤكد أن ما جرى فى 3 يوليو 2013 هو انقلاب عسكرى، لأن وزير الدفاع المشار إليه فى النص ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو ذاته وزير الدفاع ورئيس هذا المجلس الأعلى الذى عين رئيس الجمهورية المؤقت فى 3 يوليو ومنحه سلطة إصدار بيان دستورى يحل محل دستور 2012 الذى أوقفه، واستبقى لنفسه منصب وزير الدفاع فى الوزارة التى عينها رئيس الجمهورية المؤقت.
ولنا أن ننظر فى المستقبل القريب فى الشهور القليلة القادمة بعد الاستفتاء بنعم على «مشروع الدستور»، فإن كل من سيتولى فيه منصبا رئاسيا أو قياديا أو وزاريا فى سلطته التنفيذية هو الآن فى علم الغيب بالنسبة لنا لا نعرفه، وكل من سيتكون منهم المجلس النيابى من أعضاء يشكلون السلطة التشريعية هو فى علم الغيب لنا الآن لا نعرفه. وكل ذلك مجهول ومتغير ومحتمل، وذلك فيما عدا وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، فهو بنص الدستور يشكل القطب الثابت غير المتغير الذى تدور حوله الأحداث. وبهذا الوصف تعلو قامته السياسية على عناصر أجهزة الدولة جميعا ورجالها كلهم. أو بمعنى آخر تتساوى قامته مع أكبر كبير منهم، لأنه لم يعنيه رئيس الدولة القادمة وهو رأس السلطة التنفيذية، ولم يعنيه مجلس نيابى وهو المكون للسلطة التشريعية، والسلطة القضائية طبعا لا تعين أحدا.
وأكثر من ذلك فهو يشغل وظيفة ذات استقلالية إدارية وتنظيمية ومالية. ومن ثم يكون أكثر ثباتا من رئيس الدولة الذى يشغل منصبه بعد ذلك بالانتخاب من الشعب لمدة أربع سنوات فقط. ونحن نعرف أن عنصرا من عناصر الجبروت فى استخدام السلطة، لا يتأتى فقط مما تتيحه من اتخاذ قرارات نافذة، ولكنها تتأتى من المدة المتاحة لشاغلها فى البقاء فيها، وكلما كانت مدة أطول كان استخدام شاغلها للسلطة ذاتها أكثر قدرة وأثرا وأقل تعرضا للمعارضة ممن تسرى بشأنهم قراراته. والوزير عضو فى الوزارة تنتهى خدمته فى الوزارة بانتهاء عمل الوزارة بالاستقالة أو السقوط، وذلك صحيح فيما عدا من حصنت بقاءه المادة 234 سالفة الذكر لمدة ثمانى سنوات على الأقل.
(5) الدلالة الأكبر فى أهميتها العظمى تبدو عندما نرجع إلى معارفنا فى علم السياسة عن الدولة، فإن الدولة أهم خصائصها أنها هى المؤسسة المجتمعية التى «تحتكر وسائل العنف المشروع»، وهذا الوصف هو ما يبوئها مكان الحاكمية فى المجتمع على الجماعة الوطنية. وهذا الوصف يتضمن عنصرين، عنصر العنف المادى والذى تحتكر حيازته واستعماله وتكسب به نفاذ أمرها وقرارها على المواطنين فلا يستطيعون له فى جملتهم معصية، والعنصر الآخر اللصيق به هو عنصر الاتصاف بالمشروعية أى بالتقبل والرضاء من جمهور من يمارس عليهم هذا العنف.
ولكن المشكلة أنه إذا اجتمعت وسائل العنف المادى والقدرة عليه مع مشروعية ممارسته، إذا اجتمع هذان فى يد واحدة، فيكون قد توافرت القدرة على الاستبداد، وإنفاذ الصالح الذاتى الخاص للمسيطرين على هذين العنصرين دون مقاومة أو احتمال مقاومة جماعية، لذلك كان من حسن تنظيم الدول منعا من الاستبداد والطغيان الناجم عن احتكار العنف والمشروعية معا، كان من حسن التنظيم أن تبنى مؤسسات الدولة على أساس من تقسيم العمل داخل مؤسساتها، فتنشأ بداخلها أجهزة تحوز وسائل العنف بتنظيم منضبط يسيطر على أدوات القهر والأسلحة والقدرة على جباية المال جبرا لإدارة هذه الأعمال، ولكن هذه الأجهزة تكون بعيدة ومجردة تماما عن تملك الشرعية، شرعية إصدار القرارات التنظيمية للمجتمع وللدولة وللعلاقات بين أفراد الجماعة، وشرعية إصدار الأوامر باستخدام أدوات الدولة لتحقيق هذه التنظيمات وكفالة انتظام هذه العلاقات.
وكذلك ان تنشأ أجهزة أخرى هى من يملك سلطة إصدار القرارات المشروعة باستخدام العنف ووسائله، وتكون هذه الأجهزة التى تملك «كلمة المشروعية» مجردة من أية حيازة لأية أسلحة أو وسائل عنف مادى وبعيدة عن جباية المال.
والنوع الأول الذى يحوز وسائل العنف هو ما اصطلح على تسميته بالسلطة التنفيذية، والنوع الثانى الذى لا يملك هذه الوسائل ولا يحوزها ولكنه يملك القول بالمشروعية ويملك الأمر باستخدام وسائل العنف هو ما نسميه السلطة التشريعية التى يوكل إليها إصدار القوانين ورسم السياسات ومساءلة رئاسة السلطة التنفيذية عما تفعل، وكذلك السلطة القضائية التى تختص بالحكم بصحة ومشروعية أى تصرف أو فعل تأتى به السلطة التنفيذية فترد الحق إلى نصابه، الحق الذى عينته ورسمته السلطة التشريعية.
والسلطة التشريعية لا يملك ذووها من الأدوات إلا مجلسا يجتمع فيه رجالها يتحدثون ويتناقشون ويصدرون قرارات، والقضاء لا يملك ذووه من الوسائل المادية إلا أقلاما وأوراقا يسطرون فيها أحكامهم التى ينطقون بها، وإن استقلال كل من هاتين السلطتين لا يؤدى وحده إلى الاستبداد لأن أيا منهما لا يملك وسائل إنفاذ ما يقول. بل هو استقلال واجب حتى لا تسيطر عليها السلطة المالكة لوسائل العنف.
وهذا التقسيم بالضبط هو ما يجعلنا نأمن جانب الدولة وأشخاص القائمين عليها، وهو ما نسميه فى لغة فقه القانون «السلطة المقيدة» وكل النظم إنما تستهدف ضمان أن تبقى السلطة مقيدة، فإذا انفك قيدها دق نفير الخطر. وذلك حرصا على ألا يجتمع وصف العنف والشرعية فى يد شخص واحد أو جهاز واحد أو هيئة واحدة.
فإذا كان الجيش هو عمود الارتكاز الأساسى فى حيازة وسائل العنف المادى، قد صيغ وضعه فى مشروع الدستور بما يجعله مستقلا عن الأجهزة الأخرى، من النواحى التنظيمية وتشكيل القيادة ومن ناحية المورد المالى والاستقلال القضائى، فقد تحقق وجه من الانفصال صار به العنف معزولا عن الهيئات التى ترسم إطار الشرعية وضوابطها وتراقب أعمالها، وصارت به الشرعية عزلاء من الحماية والهيبة التى تكفلها لها وسائل التنفيذ عندما تستخدم لإعلاء كلمة الحق. بمعنى أن الدولة تكون قد أصيبت بالانفصام التنظيمى، أو تندمج الوظيفتان معا فيثور احتمال الطغيان، وقد جربناه عقودا من السنوات.
رعى الله مصر وألهمها الرشاد
رأي المدون : أيها الشعب المصري ... الموافق على الدستور
أنت الآن توافق على طقوس صناعة الفرعون بنفسك وتشارك فيها ... فلا تشتكي بعد ذلك من الضرب على القفا .
التاريخ يسجل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق